سورة يونس - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} لا يتوقعونه أصلاً ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم عن التفطن للحقائق أو لا يأملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا} من الآخرة وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي {واطمأنوا بِهَا} وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها فبنوا شديداً وأملوا بعيداً {والذين هُمْ عَنْ ءاياتنا غافلون} لا يتفكرون فيها، ولا وقف عليه لأن خبر {إن} {أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النار} ف {أولئك} مبتدأ و{مأواهم} مبتدأ ثان و{النار} خبره والجملة خبر أولئك والباء في {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يتعلق بمحذوف دل عليه الكلام وهو جوزوا {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدي إلى الثواب ولذا جعل {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} بياناً له وتفسيراً، إذ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، أو يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة، ومنه الحديث: «إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له: أنا عملك فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة فيقول له: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار» وهذا دليل على أن الإيمان المجرد منج حيث قال: {بإيمانهم} ولم يضم إليه العمل الصالح {فِي جنات النعيم} متعلق ب {تجري} أو حال من {الأنهار} {دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم} أي دعاؤهم لأن {اللهم} نداء لله ومعناه: اللهم إنا نسبحك أي يدعون الله بقولهم {سبحانك اللهم} تلذذا بذكره لا عبادة {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} أي يحيي بعضهم بعضاً بالسلام أو هي تحية الملائكة إياهم، وأضيف المصدر إلى المفعول أو تحية الله لهم {وَءَاخِرُ دعواهم} وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح {أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أن يقولوا الحمد الله رب العالمين {أن} مخففة من الثقيلة وأصله أنه الحمد لله رب العالمين، والضمير للشأن. قيل: أو كلامهم التسبيح وآخره التحميد فيبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بالشكر والثناء عليه ويتكلمون بينهما بما أرادوا.


{وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير} أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير، فوضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم، والمراد أهل مكة وقولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] أي ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه {لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} لأميتوا وأهلكوا. {لقضى إليهم أجلهم} شامي على البناء للفاعل وهو الله عز وجل: {فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِى طُغْيَانِهِمْ} شركهم وضلالهم {يَعْمَهُونَ} يترددون، ووجه اتصاله بما قبله أن قوله {ولو يعجل الله} متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قيل. ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم في طغيانهم أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاماً للحجة عليهم {وَإِذَا مَسَّ الإنسان} أصابه والمراد به الكافر {الضر دَعَانَا} أي دعا الله لإزالته {لِجَنبِهِ} في موضع الحال بدليل عطف الحالين أي {أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} عليه أي دعانا مضطجعاً. وفائدة ذكر هذه الأحوال أن معناه أن المضرور لا يزال داعياً لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر، فهو يدعونا في حالاته كلها سواء كان مضطجعاً عاجزاً عن النهوض، أو قاعداً لا يقدر على القيام، أو قائماً لا يطيق المشي {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} أزلنا ما به {مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرّ مَّسَّهُ} أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسي حال الجهد، أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به، والأصل {كأنه لم يدعنا} فخفف وحذف ضمير الشأن {كذلك} مثل ذلك التزيين {زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} للمجاوزين الحد في الكفر زين الشيطان بوسوسته {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الإعراض عن الذكر واتباع الكفر.


{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ} يا أهل مكة {لَمَّا ظَلَمُواْ} أشركوا وهو ظرف {أهلكنا} والواو في {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} للحال أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم {بالبينات} بالمعجزات {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} إن بقوا ولم يهلكوا لأن الله علم منهم أنهم يصرون على كفرهم، وهو عطف على {ظلموا} أو اعتراض، واللام لتأكيد النفي يعني أن السبب في إِهلاكهم تكذيبهم للرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل {كذلك} مثل ذلك الجزاء يعني الإهلاك {نَجْزِي القوم المجرمين} وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ جعلناكم خلائف فِى الأرض مِن بَعْدِهِم} الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أي استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكناها {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي لننظر أتعملون خيراً أو شراً فنعاملكم على حسب عملكم. و{كيف} في محل النصب ب {تعملون} لا ب {ننظر}، لأن معنى الاستفهام فيه يمنع أن يتقدم عليه عامله، والمعنى أنتم بمنظر منا فانظروا كيف تعملون، أبالاعتبار بماضيكم أم الاغترار بما فيكم؟ قال عليه السلام: «الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ} حال {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا} ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك {أَوْ بَدّلْهُ} بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها، فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت قدرة الإنسان وهو أن يضع مكان آية عذاب آية رحمة وأن يسقط ذكر الآلهة بقوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي} ما يحل لي {أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَائي نَفْسِي} من قبل نفسي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} لا أتبع إلا وحي الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل، لأن الذي أتيت به من عند الله لا من عندي فأبدله {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} بالتبديل من عند نفسي {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي يوم القيامة. وأما الإتيان بقرآن آخر فلا يقدر عليه الإنسان، وقد ظهر لهم العجز عنه إلا أنهم كانوا لا يعترفون بالعجز ويقولون لو نشاء لقلنا مثل هذا. ولا يحتمل أن يريدوا بقوله {أئت بقرآن غير هذا أو بدله} من جهة الوحي لقوله: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} وغرضهم في هذا الاقتراح الكيد، أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله فأبدل مكانه آخر، وأما اقتراح التبديل فلاختبار الحال، وأنه إن وجد منه تبديل فإما أن يهلكه الله فينجوا منه أولا يهلكه فيسخروا منه، فيجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحاً لإفترائه على الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8